في السلسلة الجديدة على منصة رواد سنصبحكم معنا في رحلةٍ للتعرّف على مجال التّسويق الذي أصبح ركنًا أساسيًا في عملية البيع المُباشر والالكتروني، والذي يستقطب اهتمامًا متزايدًا في هذه السنوات الأخيرة. سنتعلّم في هذه المقدمة عن التسويق بعض ملامح السّياق التاريخي ولحظة تحوّله إلى تخصّص مستقلّ يسمح لروّاد الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين برفع مبيعاتهم والوصول إلى أوسع فئةٍ ممكنةٍ من العُملاء. نتمنّى لك قراءةً ممتعةً وثريّة.
جدول المحتويات:
ما هو التسويق؟
لتفصيل ما نريد عرضه في هذه المقدمةعن التسويق لا بدّ أن نبدأ بالتعريف الكاشف عن حقيقة ما نريد نتناوله. التسويق هو الترجمة العربيّة لمصطلح Marketing والذي يعني حرفيًا: هو دفع المنتج أو الخدمة إلى السّوق Market بحيث يراها العملاء المحتملون والمهتمّون بهذا المنتج.
وبشكلٍ أكثر اصطلاحًا، يعّرف التسويق أنه مجموعة الخطوات التي يأخذها رائد العمل لجذب واستقطاب العملاء إلى المنتج أو الخدمة التي يقدّمها. فالتسويق لا يشمل عملية البيع فحسب، وإنما يبدأ من لحظة دراسة احتياجات المجتمع المادية وتكييف المنتج أو الخدمة مع هذه الاحتياجات، ثمّ الإعلان عنها والترويج لها بأسلوبٍ جاذبٍ ومثيرٍ للفضول وصولًا إلى البيع وأخذ آراء المستخدمين.
أنواع التسويق
في هذه المقدمة عن التسويق، سنقتصر على بعض الأنواع المعروفة فقط. إذ يُمكن تقسيم أنواع التسويق باعتبار مكان التوزيع (أي مكان السّوق) إلى:
- تسويق تقليديّ: يعتمد على الإعلانات التي تُبثّ على الإذاعة والتلفزيون وحتّى عبر الملصقات الإعلانية.
- تسويق رقميّ: حيث يقتصر نشاطه على المنصّات الإلكترونية من مواقع البيع والإعلانات، وسائط التواصل الاجتماعي، المؤثّرين والناشطين على هذه الوسائط (يوتيوب، أنستغرام، تيك توك تحديدًا).
كما يُمكن تقسيمه باعتبار بعض التفاصيل الدقيقة لعملية التسويق إلى عدّة أنواع:
- التسويق بالمحتوى،
- التسويق بالتوصية،
- التسويق على وسائط التواصل الاجتماعي،
- التسويق بالبريد الالكتروني والنشرات الدورية،
- تسويق النشطين على وسائط التواصل (المؤثرين)،
- التسويق خلال الأحداث والفعاليات،
- التسويق بالعمولة.
وقد تشمل العملية التسويقية الواحدة تفاصيل من عدة استراتيجيات في آنٍ واحد، كما في المثال التالي:
تريد أروى تسويق منتجات العناية الطبيعية التي تصنعها بشكلٍ يدويّ لرفع مبيعاتها. ولتحقيق ذلك أنشأت صفحتي فيسبوك وإنستغرام. حيث تنشر في الفيسبوك مقالات عن أفكار وطرق ذكيّة لاستعمال مواد التجميل الطبيعية (تسويق بالمحتوى)، وأما في الإنستغرام، فهي تتواصل مع مجتمعها من الفتيات النشطات على الموقع لتمنحهم فرصة تجريب بعض العينات من منتجاتها (تسويق بالمؤثرين)، كما تواظب على نشر آراء زبوناتها على نافذة اليوميات Story وتوصياتهم لبقية الزبائن (تسويق بالتوصية).
عناصر التسويق وشروطه
تدور العملية التسويقية على مجموع أربعة عناصر رئيسية تبدأ كلها بحرف P وتُعرف بـ 4Ps، وهي: المنتج، السعر، التوزيع (أو السوق)، الترويج. توفّر هذه العناصر إطارًا لبناء استراتيجية التسويق، ولمحاولة إيجاد التوازن بينها جميعًا بقدر المستطاع.
1. المنتج Product
يُمكن أن يكون المنتج ماديًا (مادةً أو جهازًا) أو معنويًا (وهي الخدمات المُباشرة والإلكترونية)، وهو الركن الأوّل وسبب العملية التسويقية كلّها، ويتم تكييف المنتج مع احتياج السّوق بالإجابة على سؤال: من يحتاج هذا؟ ولماذا يحتاجه؟ وبذلك يُمكن تحديد المنتج وتعيين صفاته ومميزاته وحتّى تطوير عيوبه عبر سلسلة الإصدارات المتتالية. كما يُعتبر التغليف ونوعه ومدى توافقه مع مبادئ الشّركة المُعلن عنها عنصرًا رافدًا للمنتج أثناء تسويقه.
2. السعر Price
وهو المبلغ الذي يكون العميل مستعدًا لدفعه مقابل الحصول على المنتج المطروح في السّوق. وتُعتبر عملية التسعير من أكثر خطوات التسويق حساسية، فإذا كان السّعر أقلّ ممّا يجب ولا يترجم القيمة الحقيقية للمنتج أدّى ذلك إلى تضرّر صاحب الشّركة وانهياره الماليّ. أمّا إذا كان السّعر المقترح للعميل مبالغًا فيه وزائدًا عن الحدّ، فإنه يمكن للعميل أن يُعرض عنه، ويمكن لعملية البيع أن تنقطع عند هذه الخطوة.
هناك سياسات مختلفة يتم تطبيقها على عملية التسعير، على حسب أوقات وحالاتٍ مختلفة. فيمكن للشّركة أن ترفع السّعر، وتروّج للمنتج بمظهر الرفاهية أو الحصرية، وأنه موجّه لفئة الأثرياء من العملاء، كما يقوم الكثير من روّاد الأعمال بخفض السعر في إطار حملات التعريف بالمنتجات الجديدة أو التخفيض على منتجات تراجع اهتمام السّوق بها.
3. مكان التوزيع (السوق) Place
أي اختيار المكان الذي سيتم طرح المنتج فيه، سواءً كان ذلك في الأسواق والمحلّات العاديّة، أو في الأسواق ومواقع البيع الالكترونية على الانترنت. ويخضع هذا الاختيار لنوع المنتج وتصنيفه (مواد تجميل، عطور ومجوهرات، أجهزة واكسسوارات الكترونية، أثاث وديكور المنزل..)، وكذلك يجب الأخذ بالاعتبار مدى فخامة وشُهرة العلامة التجارية Brand، وعرضها بالشكل الذي يعكس قيمتها الفخمة ويشجّع المستهلك لشرائها.
4. الترويج (الإعلان) Promotion
وأخيرًا تأتي الخطوة الأخيرة التي تربط بين كلّ هذه العناصر السّابقة، وهي الترويج، وعادةً ما يتمّ اختزال التسويق بأكمله في هذا العنصر. يهدف التسويق إلى إيصال المعلومات المتعلقة بتفاصيل عن المنتج، سعره ومدى معقولية ذلك بالنسبة لقيمته وكذلك مكان توزيعه وطريقة الحصول عليه.
ومن أجل رفع جودة الحملة الترويجية (وبالتالي رفع نسب المبيعات)، تُضاف عناصر أخرى مثل التلاعب النفسي والعاطفي، وربط المنتج بقيمة إنسانية فطرية (الحبّ، الجوع، الرّغبة، الشهوة، حسن المظهر).
العناصر السّبعة للتسويق
بحلول القرن الحادي والعشرين، أضاف الخبراء ومنظّرو التسويق إلى العناصر الأربعة 4Ps ثلاثة عناصر أخرى أصبحت تشكّل مجموع العناصر السّبعة 7Ps والتي تمنح نظرةً أشمل وأكثر عمقًا لدراسة وتصميم عملية التسويق. وهذه العناصر الإضافية هي:
1. العنصر البشريّ People
ويشمل ذلك المستهلكين للمنتج المعروض للبيع، موظفي المبيعات ومن هم على اتصال مباشر مع العملاء، إضافةً إلى النّاشطين على وسائط التواصل الاجتماعي. (وهم عنصرٌ جديد ميّز التسويق في عصر التكنولوجيا والانترنت).
2. العمليات Process
وهي مجموع الخدمات اللوجستية والتنفيذية التي تضمن سرعة وصول المنتج إلى العميل، وسلاسة التواصل بينه وبين صاحب المنتج أو موظف المبيعات. وقد ظهرت الحاجة لإيلاء هذا العنصر اهتمامًا أكبر مع تسارع عمليات الطّلب والبيع والتوزيع مع دخول عامل البيع والتسويق الرقميين.
3. الدليل المادّي Physical Evidence
ويُقصد به توظيف المنتج (وحتّى للخدمة) في الواقع وخلق وجودٍ مادي ملموسٍ له في السّوق يرفع ثقة المستهلكين به وبالشركة الموزعة له. أي أن جمهور المستهلكين يستطيعون الرّبط بين اسم الشّركة أو العلامة التجارية وبين المنتج الموجود في الواقع سواءٌ أكان طعامًا أو قطع ملابس ومجوهرات أو حتى الخدمات المصرفية والتأمينات.
نظرة تاريخية عن التسويق
يُمكن اعتبار التسويق حاضرًا منذ بدء عمليات البيع والشّراء بالشكل الذي نعرفه حاليا، أي بعد الانتقال من مرحلة التبادل إلى مرحلة استعمال الذهب والفضّة ثمّ العملات النقدية الموحّدة لتقييم السلعة أو المنتج. فهنا تظهر أهمّ العناصر: المنتج نفسه، وقيمة التسعير وكذلك السّوق وهي مكان التوزيع.
أمّا مرحلة الحملات الترويجية المكتوبة كما نعرفها اليوم، فقد كانت نتيجة للتطور الصناعي في بريطانيا خلال القرن الثامن عشر، مع ظهور الإعلانات المصّورة والملصقات التي تنتشر على جدران المدينة. واستمرّ ذلك إلى غاية القرن العشرين حين تمّ استعمال المحطّات الإذاعية كأرضيات للترويج، وكذلك تم توظيف المشاهير من الممثلين والمغنيين في دعم بعض المنتجات وتشجيع الناس على اقتنائها.
ومع انتشار أجهزة التلفزيون، أصبحت الإعلانات التلفزيونية خطوةً ضرورية لكلّ حملةٍ ترويجية إلى يومنا هذا. وأخيرًا، كانت القفزة الهائلة التي غيّرت كثيرًا من شكل وأهداف التسويق هي ظهور الانترنت والتجارة الالكترونية، ثمّ الذكاء الاصطناعي. فظهرت مصطلحات مثل: التسويق الرقمي، التسويق بالمحتوى، إضافةً إلى تطويع تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في دراسة احتياجات السوق وتحليل آراء العملاء.
أهداف التسويق
إن الهدف الرّئيسي للتسويق هو تحسين المبيعات وزيادة نسبتها خلال مدة زمنية مدروسة، وموافقة ما ينتظره العملاء وما يحتاجونه من المنتج (أو الخدمة). وإضافةً إلى ذلك، يمكن لبعض النتائج الجانبية أن تتحقّق مثل:
- تحسين جودة المنتج من خلال جمع وتحليل آراء العملاء وتجاربهم.
- موازنة الدخل والمبيعات من خلال وضع استراتيجيات تسعير مناسبة.
- تحسين الاحتفاظ بالعملاء الحاليين ورضاهم لتشجيعهم على تكرار الشراء والولاء.
- بناء الثّقة بين العميل وصاحب المنتج، وتسهيل قنوات التواصل المنتظم بينهما.
- تعزيز الهوية الخاصّة بالشّركة، وربط العلامة التجارية بجودة المنتج في السّوق.
- زيادة حصة السوق وذلك بالاستيلاء على جزءٍ أكبر من السوق مقارنةً بمنافسيك.
- تحسين التجربة العامّة للعملاء مع علامتك التجارية، من أول إتصال إلى دعم ما بعد الشراء.
- التوسّع في أسواق جديدة ويتضمن ذلك تحديد شرائح العملاء الجديدة أو المناطق الجغرافية والوصول إليها.
من خلال التركيز على هذه النتائج، يمكن للشركات تحّقيق أهدافها التسويقية مع إنشاء علاقاتٍ أقوى مع عملائها وتحسين سمعتها العامّة في السوق.
كانت هذه المقدمة عن التسويق التي انتخبنا لك فيها أبرز ما يميّز هذا المجال ويجعله مدخلًا مهمّا لفضاء المبيعات والتجارة الالكترونية. نأمل أن المقال أضاف لك من المعلومات والتفاصيل التي كنت بحاجةٍ لها، إلى لقاءٍ في مقالنا القادم ضمن سلسلة التسويق على موقعنا.